الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

الفصول الأربعة

كل ما يترأى لى فى هذا السرداب انما هو درب سرمدى معتم , احمل عقلى وقلبي فى هذا الجسد الذى ضاق علي , والأمل دوما هو نقطة وهمية وضعتها كى أستئنف المضى فى ظلام النفس , تشتاق خلايا هذا الجسد الجائع إلى بعض شعاع الشمس , كل ما حولى يبعدنى عن هذا النجم الغاضب ,,
الأرض تدور حول غرفتى وكتبي ودخان الليل .. وترفض ان تعلن عن صباح الغد , انما كل ما مر هو حياه بلا شمس وبلا غد ,,
مجرد ارقام تزداد فى تلك الاوراق المعلقة على الحائط لتعلن انها تسحب يوميا من رصيدى المجهول ,,
امضيت اعوام تصادقت فيها مع الليل وصار ملكوتى حين يفل هذا القرص المتوهج دوما ,,
الذى طالما شعرت برفضه لي ولأفكارى التى كنت احيكها على حين غفلة منه ,,
لكن اليوم وبعد ان مرت تلك السنوات , اشتاق إلى كل ما هو غريب عنى ,,
توحدت مع الليل وظلامه الذى اعتم علي كثيرا من افكار القلب ومشاعر العقل ,, لأعلن عن جسد ضاق بروحه ,, وافكار ملت من افلاك الظلمة ,,
اتمنى ان اواجه شمس العقل واعلن لها عن كل ما كان مدفون فى بئر العتمة ,, اواجهها حينا,, ثم اهرب إلى ظلال جدار النفس ,,
خير حياه نظرتها وانا اجالس القمر هى كل الفصول الاربعة ,,
إلى متى سيظل الاختلاف قائم بينى وبين النور ؟؟
لم اكرهه ساعة لكنى توهمت للحظة انى قادر على خلق النور داخلى , فما ابعدنى انا والشمس عن تجليات العقل وما أقصى القمر عن فهم معنى النور المنشود ,, أعتذر لهما ,, الوزر رأيته مفضوح حين عقد ثلاثتنا جلسة صلح , ابتسمت لهما معتذرا وتمنيت منهما قرار العفو ,, انتظر الآن كل ما هو آتى غير رافض ,, وكل ما اتمناه هو هدايا الفصول الاربعة ..

29ديسمبر2009
كريـم الـراوى

الأحد، 20 ديسمبر 2009

أنظر خلفك فهناك بعض المستقبل

الدعوة الى الانتماء فى بلادنا اصبحت مملة و تكاد تكون مصطنعة من قبل بعض الرجال الذين افنوا حياتهم فى تضييع حياة شعوبهم . ان الانتماء و الوطنية ليست كلمة و لا ظاهرة كما يفسرها البعض عند وقوع حدث معين . ان الانتماء شعور داخلى جدا يصاحبه حب و ضجر و ثورة و رياء و عنف . فالانتماء لا يلقن و لكنه بالتأمل و الاحساس و الفطرة .
جميعنا ينتمى الي بلده و فخور به و دائم الاحاديث عن امجاد سابقة لكن كثير منا منتظر طائرة تقلع به من بلاد الظلم و القهر الى بلاد العدل و النظام و الحرية .
لا تلمنى على هذه الرغبة فأنا اريد البقاء , اريد الحياه , اريد ان ارى اولادى يعيشون حياه سوية فى مجتمع راق يؤهلهم ان يكونوا افراد صالحين , فكل ما اريده هى بيئة صالحة نقية طاهرة تفرز اجيال متحابة متفتحة ذات طموح.

و لكن و آسفاه فكل ما احلم به ليس فى وطنى ليس فى ارضى التى انتمى اليها بكل جارحة في .
فكيف أريد ان ارى اطفالى افراد صالحين فى بيئة فاسدة فى مجتمع يحترم الراشي و المرتشي فى بلد تحترم اللص و تقدره و وسط شعب قدس الجهل و الرجعية حتى كاد يعبدهما من دون الله .

مجتمع نسي قيمه و افكاره و أسقط العدل فباتت البغائض هى القاعدة و الاخلاق استثناء , تتعجب عندما تسمع عنها .
مجتمع اظنه يحتضر منذ عقود و اصبح جسد صالح للبكتريا و العفن و الميكروبات , مجتمع ترك هويته على حدوده و أتقن فى أن يطمس حضارته و تراثه و يتأمر على نفسه ليهزمها فينتصر غيره !!
كل هذا فى وطنى الحبيب الطاهر الذى تكالب عليه الافاقين من داخله و خارجه ليجعله منه مسخ ليصبح بعد سنوات بلد آخر . ليصبح بلد حكامه من اهله ,و لا يجيدون لغتهم , و شعبهم قابع تحت الفقر و الظلم و المخدرات و الجهل المبارك الذى اراحهم من هم التفكير . فكل ذنبي اننى اريد ان احيا كأنسان, و هل هذا من ذنب ؟؟؟
فى بلادنا نعم انه ذنب و خطيئة من اكبر الكبائر , إلا اذا كنت اقصد بكلمة انسان معنى آخر غير المتعارف عليه بين شعوب الارض .

ان هذه ليست دعوة لهجرة اوطاننا لكنها خاطرة لنا نحن من عشقنا اوطاننا حتى الثمالة . نعم نعشقه , انه فاسد و ظالم و جاحد و لكنى عن نفسي عاشق له . فأن بلادى ليست اجمل بلاد العالم و لا اكثرها تقدما كما ان امى ليست اجمل امرأة فى العالم و لا اكثر النساء علما و معرفة و لكنها عندى ملكة النساء ام الجميع , فبلدى ايضا كذلك أحبها من كل قلبي و ألعن ظلمها ايضا من كل قلبى .

احب شعبها الودود الحميم و اكره جهله و رجعيته العقيمة . و عندما افحصت النظر باحثا بين هذا الشعب عن أناس شعروا بما شعرت به و رغبوا فى احلامى و جدت أناس اخرين غيرى , اخرين جداا, حيث اصبح الاختلاف بيننا واضح جدا يصرخ فى وجهى, أهؤلاء هم اصحاب طموح فى تلك البلد؟؟ , كيف ؟؟ كيف و هم يتكلموا كلام بعيد عن افكارنا وتراثنا, كيف و هم يذكرون فى احاديثهم اسماء لا يستطيع العامة من شعوبهم الذين يتكلمون عنهم ان ينطقها حتى؟؟ , كيف وهم يرتدون ملابسهم و عليها صور لرجل اجنبي عنا , كل ما فيه وما يقوله ليس فينا وليس عنا ..

ان كل هذه ليست افترائات على ثقافة اخرين,, و لكنها ثقافة اخرين لا تصلح لنا نحن فلكل شعب نظام خاص به جدا و فكر تأصل منذ الاف السنين و لا تستطيع انت او غيرك ان تمحوا حضارة رست جذورها قبل الميلاد .

ان النظام ليس نظام واحد و لكنه عدة انظمة و الحق ليس حق واحد ولكنه عدة حقوق و الحضارات ليست حضارة واحدة ولكنها عدة حضارات فأنت لا تستطيع ايا من كنت ان تجعلنى أؤمن بحضارة غيرى و اتبعها تاركا كل تراثى , و لكن اذا اردت فأترك حضارة الآخر له لينتفع بها و يعيش كما يشاء .
و تأتى الى تلك الارض الطيبة و تقرأ تاريخها و تعلم حضارتها و ثقافة شعوبها و طباع اهلها ثم يأتى دورك الاكبر لتكون مصلح و ثائر و قائد فتجدد حضارتنا و تجعلها تشرب أسلوب القرن الجديد و العصر الحديث وهى مرتدية حضارتها الخاصة كاملة مكملة .

فلله درك يا ابو عبدالله يا سيد الشهداء و سبط رسول الله يا امام المجاهدين و الثوار .

كـريم الـراوى

حصاد الليل

فى تلك اللليلة أشتعلت نار . نار تتحدى ظلام الليل و هيبة الصحراء . نار تنادى عيون بوم الليل و تدعوا ضباع الصحراء إلى الفرار.
نار تسفر عن وجهها اللامع بين كل كائنات الليل , تصرح بوجودها القاتم امام الكهف المرعب فى وسط الصحراء . و امام النار لمعت نار فى عين أحد الشخصين الجالسين , شاب بلغ الثلاثين على أستحياء لونه أسمر فى لون الليل فى يده جرة للبن الناقة يرشف كل قليلا قليل منه , و على رأسه عمامة ضخمة زرقاء داكنة اللون أقرب إلى لون البحر فى وطنه قبيل الفجر , يستر جسده جلباب فضفاض فى لون فنجان البن , و فى قدميه حذاء عجيب تشعر بأنتمائه للصحراء .
لمعت النار فى عين الشاب و تنافر حاجبيه و ظام بفمه فى لغط و تمتمات لا تسمع, حتى أن الآخر أمام النار لم يسمعه لكنه أدرك بشكل ما غضب فى صدر الابن فقال له : ما بك يا ولدى؟؟
قال الشاب فى شبه صراخ مخنوق : ما بي انا ؟!! ما بك انت يا أبى , اننا لسنا فى خلوة فى الصحراء اننا هاربين من بلدتنا تركناها ,,و الظلم مازلت اراه امام أنفى قابع على الطرقات مثل الشيطان , ما بي ؟!! ما بك انت يا أبي , بيتنا فى بلدتنا أصبح خواء تسكنه الغربان , شجرة التين فى فناء البيت العتيق ستثمر ذل و هوان , أهالينا هناك صدقوا كذب الفجار و سمونا بأهل الليل و كأننا لصوص أو زناه و بعد كل هذا تقول ما بي ؟ ما بك انت يا أبي ؟ ما بك ؟!!
كان الاب جالس فى اليم الاخر من النار ينظر لولده فى حب و أستعطاف,, ابتسامته العميقة تدل عليه و صوت ضحكته الخافت كلما ثار الأبن,,, نظر الأب فى عيني أبنه مباشرة و أطال النظر و آه من نظرات الليل ,, ردد ضحكته الخافته و أطال النظر إلى سماء الليل فى الصحراء, فلمعت فى عينيه أقمار و أشجان و نجوم , حك أطراف أصابعه فى لحيته البيضاء بهدؤ التى أكملت جلال منظره,, فالرجل وجهه أسمر مثل ولده وكذلك كان أبوه و كذلك سيكون حفيده , لكن هذا الوجه الاسمر ما أشبهه بالبدر .,النور يأتى من هذا الوجه الاسمر يضحك فى بشر و أسبشار و فوق جبينه بغير قليل عمامته الكبيرة الخضراء فى لون شجر الصبار , و ثوبه الفضفاض الناقى الأبيض كحليب طازج ,,و نعله الخفيف الرقيق . هذا الشيخ الذى شهد نيف و ستون رمضان و صام ستون منهم أرتسمت على هيئته صورة الرجل الوقور البار,,, لكن هذا لم يمنع من وجود خنجر مدجج به فى وسطه , و علامة ضربة قديمة من سيف وراء أذنه اليسري ..و أخيرا سمع ولده منه صحكة أخرى خافته و قال فى كل حنان : رب هنا يا ولدى رب هناك و ما كان هناك بالجذر الضارب منذ الاف السنوات , اننا كنا هناك غصن و فى أى مكان أخر نحن الغصن و ما الجذور إلا الأنسان .
قال الابن : يا أبي انا ولدت هناك فى البيت القديم المتهالك و كذلك انت و باقى الاجداد .
قال الاب : أتدرى يا ولدى كيف كانت بلدتنا و كيف جاء الجدود إليها .
قال الابن : لا أعرف يا ابي , لا أعرف إلا قلعة الحاكم و وجودها القاتم و حسبتها هناك من قبل الانسان .
قال الأب: منذ قرون يا ولدى لم تكن بلدتنا إلا البئر . البئر الأكبر الموجود الآن امام القلعة و كان البئر بغير شكله هذا الذى رأيت فكان مهمل لا يشرب منه إلا عابر سبيل فى صحراء الليل مثلى و مثلك فى هذا الوقت ,, و فى هذه الايام جاء جدنا الاعظم هارب من الظلم فى أرض الشمال , و كان رجل صالح تقى و كان هروبه بسبب صلاحه ,فى مدينته الاولى التى امتلأت بالظلم أتهموه بأبشع ما كان فهرب و قال لا مقام لنا فأرحلوا,, من بلد تحكم فيه البوم وغربان الليل . فهرب حتى وجد البئر فنصب خيمته أمامه و شرب و سقى أهله ,, و قبل غروب الشمس وجد قافلة أتيه إلى البئر فقالوا لجدنا أنت جديد على تلك الأرض فأكرمهم أولا و قال:
انا لست غريب عن الأرض منها خلقت و عليها أعيش و فيها أعود و توضئ و صلى المغرب و أمعن فى الصلاه و دعى الله و بكاه و بعد التسليم وجد القافلة كانت تصلى ورأه و قال كبيرهم رضيناك اماما و زعيم , و جأوا بأهلهم و عاشوا جميعا أمام البئرو كان جدنا القائم على امرهم و حكم بينهم بما يرضى الله و يجعله نائم أخر الليل فى راحة و أطمئنان .
قال الابن : فى دهشة و وجوم : جدنا كان الحاكم !!!
قال الأب : أنت تستطيع ان تقول ان جدنا الاكبر كان الحاكم لكنه لم يدرك ذلك و لم يفطن انه أصبح ملكا بعد تشرده فى الصحراء , لكنه حسب نفسه خادم لقوم أمانوه و وثقوه فيه فكان أقلهم بيتا و أضيقهم معيشا , فكيف يكون ثري و كل منهم لديه تجارته و حرفته اما هو فكان يعمل على العدل و يشرب من البئر و يحلب ناقته و هو زارع شجر التين فى فناء البيت العتيق , و بنى أول شيئا فى مدينتنا و كان المسجد أمام البئر .
قال الابن: فى أستعجاب : ليس هناك مسجد امام البئر ان المسجد فى أخر بلدتنا
أبتسم الاب و قال : المسجد هو قلعة الحاكم الآن , كانت منذ زمن مسجد للعباد قال لى جدى انه سمع من جده انه كان هناك المسجد و هو الآن القلعة.
قال الابن : بالله عليك يا أبتى كيف يتحول بيت من مسجد لله إلى قلعة ظلم و فساد .
قال الأب : بعد نظرة طويلة إلى القمر لكنه لمح النار فقال : الناس تحب الظلم يا ولدى فضاق بهم أمر الخير فكان ..مات جدنا الاكبر التقى بانى المسجد حاكم البلدة و ورث حكم البلدة رجل نقى عابد كان اول من قال لجدنا الاكبر رضيناك امام و زعيم من اهل القافلة الاولى ,, فصار على منهاج جدنا لكن الناس ملت العدل و أشتاقت إلى حياة البرية . فللخير سحر و مذاق مثل صوت الضوء فى ملكوت الليل الحالك و مثل فيضان النهر البارد وسط جحيم القلب الغافل بالشر .. ضاقت الناس بالخير و العدل,,, كانت قد تكونت الثروات عند البعض ... فعز عليه ان يكون صاحب ارض و مال ولا يتسلط على أمر العباد .. و كان قد ازداد البعض الآخر من الفقر كثيرا فعز عليهم ان يكونوا وسط العدل فقراء ,, ففقرهم فى مدينة الخير كان فقر فى قلوبهم و أعمالهم قبل فقر اليد ,, فعز عليهم لومة الناس فأرادوا الظلم تبريرا للفقر.
قال الابن فى استعجاب : و كيف يرضى الناس مذاق الظلم بعد عقود الخير ...
قال الأب : ليس كل الناس محبة للظلم و لا كل الناس أنصار لميزان العدل...فإن أراد البعض ظلما و أعلنوا أخرين رغبتهم فى العدل . و البعض الاخر و الاكثر سكت و نظر إلى أيام السوء و تذكر سيرة الجد الاول و أيام بناء المسجد حين كان يحمل احجار البناء على كتفه و يسبح لله و يطلب الرحمة و العدل من رب الكون الأوحد ..وتذكر الناس رجل التقوة و ودعوا فى حسرات تلك الأيام ..و الحسرة يا ولدى عند أولئك كانت مصاحبة لليأس و الخنوع لقانون الزمن التعيس قانون البرية الأولى
قال الأبن : و هكذا تفرق الناس بين مريدين العدل و أرباب الظلم و الراضين بخنوع قانون اى زمان ...
نظر الأب فى عين ولده مباشرة و قد رأى في عينيه أنه فطن حكمة سنوات بدون سماع باقى القصة و أن الباقى من أحداث قد أنتشر فى تسلسل و أحكام كما تنتشر حبات المسبحة المقطوعة .. و لمح فى عيني الأبن عبرة تتشدق بباقى العين فربت على كتف ابنه فى حنان و قال له بغير كلام أطلقها يا ولدى فالدمع ليس بشيم الجبناء ... هبت ريح خفيفة زادت من شعلة نار المجلس ..
قال الأب : يا ولدى هناك دوما من يوقد نار الشر و للشر كثيرا كثيرا من الأنصار ..
قال الأبن:رحم الله جدنا الأكبر كان صديق الخير و لكن لماذا يا أبي لم تحدثنى عنه قبل الآن و لم أسمع عنه يوما فى بلتنا؟؟
أستحكم الشرود على الأب بعد السؤال و كأنه الآن يرى امام عينه شرور الكوابيس,, و كأنه نفق حياته كلها خائف من هذا السؤال,, و انتقلت دموع ابنه الاولى اليه بغزارة فضاقت بها عينه فجرت على وجهه كمثل نهر فى موسم فيضان طاغى حتى أبتلت لحيته البيضاء ,,,و قال و فى صوته كل معانى الحسرة و الحزن الأبدى الذى عاش بداخله عقود يرفض أن يخرجه للناس حتى لولده : يا ولدى أتذكر يوم العيد حين كنت أتممت عليك حفظ كتاب الله ؟ , و أحتفل بك جدك و جاء إليك بنعجة بيضاء و أركبك على ظهرها وسط جميع الأهل,, و أكلنا اللحم و ثريده و ختمنا ببعض التمر ,, فى ليلة هذا العيد بات جدك فى سجن قلعة الحاكم و ذاق من العذاب أصناف و الوان ما لم يذقها قبله أنسي .. و قال له الحاكم وسط زبانيته و أشر الناس ... (أرجع عن قولك و لا تذكر الناس بسيرة جدك هذا,, أنه رجل مات منذ قرون) ... لكن جدك يا ولدى رفض أن ينسي سيرة أجداده و قال و الفخر فى نفسه يتحدى ظلم الظالم ... ( انا لم أختلق قصص و أساطير, أن جدى الذى تقول عنه هو مؤسس تلك البلدة و كان خير الناس,, و الناس أحق أن تعلم بسير الصالحين)... عرف الحاكم من نبرة صوت جدك و نظرة عينه أنه لن يتراجع عن ما قال ,, و كان الحاكم يعرف جيدا ما تثيره مثل تلك القصص فى نفوس العامة من حنين إلى زمن الخير الأول و من الممكن أن يجاهد الناس حتى يعود العدل و حين يحدث ذلك ,, لن يكون هنالك مكان لممالك الشر و ملوكها فقرر أن يحارب الخير و هو طفل رضيع مجرد حكاية على لسان جدك عن جده الأكبر صاحب مدينة الخير ..فنظر الحاكم إلى شياطينه فقالوا له أعدمه على برج القلعة و ليكن عبرة لمن مثله, و إن سأل العامة لماذا يعدم الرجل الطاهر فلنقل أنه زانى و مرابى..
و لمثل هذا القول سحر فى نفوس الضعفاء و سينتشر فى أرجاء البلدة بين ليلة و ضحاها .. و أستيقظت البلدة فى الصباح على صراخ جدك و هو مصلوب على برج القلعة ( قالها الرجل و الدموع تملأ عينه و الكلمات تخرج من شفتيه شبه مبتورة) هذا البرج الذى بناه جدنا الأكبر و كان يصعد إليه خمس مرات فى اليوم لينادى فى القوم بالصلاه... و ظل جدك على البرج سبع ايام و ليالى ... مصلوب على مأذنة جده الأكبر لقولة حق ... مات قبل رابع ليلة و هو يبشر بزمن الخير القادم حتما.. لكن الحاكم أراد له و لنا مزيد من الهوان فزاد عليه ثلاث ليالى معلق بلا روح جسد عرف كل معان الألم و الظلم لكنه لم يكذب أبدا ... بعد هذا يا ولدى ماتت حكاية جدنا الأكبر لم يجرؤ أحد أن يتذكرها,, حتى و لو فى خلايا نفسه و أستبدت مملكة الشر ... فأثرت أن أخذك و نولى وجهنا نحو ممالك جديدة بالطبع يوجد منها كثير غارق فى الشر لكن يجب أن نبحث و نجد أرض الخير ...
قال الأب كلمته و نظر إلى السماء برهة و لكنه لم يسمح لنفسه ولا لولده بلحظة شرود و قال و قد تغيرت نبرته بعض الشئ و قال فى صوت صافى: ان الشمس فى الطريق إلينا فهيا إلى صلاه الفجر ...

كـريم الـراوى
يوليو 2009

الخميس، 17 ديسمبر 2009

شمس الكهولة

استند الى الحائط و هو متجه من غرفة نومه الى الصالة .. تحسس كل خطوة وهو ماسك بعصاه ...
انتهى الممر بين الغرفة و الصالون فوقف يسند ظهره الى مكتبة ضخمة و يرتاح من مشقة المشي فى هذا الممر الذى لا يزيد طوله عن بضعة امتار ...
نظر الى الصالون و إلى الشرفة و احتار بينهما لكنه قرر ان يتجه نحو الشرفة و فى الطريق وجد النتيجة السنوية معلقة على الجدار الأصفر المتشقق فأتجه كنوع من الفضول لا اكثر ..
فأن التاريخ و الوقت سقط منه منذ سنوات و اصبح كل وقت لديه هو فراغ , نظر الى النتيجة و قرب عيناه منها و فوجئ بشي عجيب جدا .. ان اليوم هو عيد ميلاده التسعين !!!
شرد برهة فى هذا التاريخ الذى يتم فيه تاسع عقد له على وجه هذه الأرض لكنه لم يحفل بهذا كثيرا ....
فأكمل مسيرته الى الشرفة ,فهو فى شوق بالغ إلى أشعة الشمس وإلى هواء الصبح بعيد عن عطن غرفته ورطوبة الجدران القديمة ..
و فى الشرفة ناوشته افكار الميلاد وما الذى حدث له ؟؟ وكيف مرت به كل تلك السنوات ,,أنه يتذكر جيدا العام الذى حصل فيه على التوجيهية وكيف انه انطلق من المدرسة الثانوية إلي بيتهم يركب الهواء لكى يفرح أمه بهذا الخبر و يبشرها بأن أكبر أبنائها حصل على البكالوريا واصبح افندي ملئ السمع والبصر ,,
وتذكر جداله الطويل مع امه حول فكرة الجامعة وكيف انها كانت مقتنعه بان يلتحق بالميري ثم يكمل نصف دينه بالزواج من بنت خاله ..
أبتسم الشيخ ذو التسعين عام وكأنه يري حياته كلها امامه مصورة فى عرض ملخص عايشه هوفى عقود وعقود تنزح إلي قرن من الدهر ,و تذكر نجاح ابن عمه الاكبر فى اقناع امه بأن يكمل تعليمه ويدخل الجامعة ,, و كيف ان سنوات الجامعة مرت عليه سريعة جدا , فحياته الجامعية كانت خالية من اى تجارب سوي الدراسة و المطالعة المستمرة و التفوق الدائم ....
وبعد اربع سنوات بالتمام والكمال تخرج فى كلية الأداب قسم اللغة الانجليزية, وتغيرت كل طموحاته واحلامه فنسي بنت خاله,, والتحق للتدريس بالجامعة , و سرعان ماحصل على منحة للحصول على شهادة الماجستير من انجلترا ,
وفى بلاد الخواجات رأى ما لم يكن يحلم به و عاش تجارب و حياه جعلت منه انسان معدل , فانكب على دراسته إلى ان حصل على الماجستير فى المسرح الانجليزي,, واكمل دراسته فى انجلترا ليحصل على الدكتوراه ,,
و فى هذه المرحلة تعرف على فتاة مختلفة عن كل فتيات بلاده , رأى وجهها الصبوح الجميل , وعقلها المتحرر المتقبل للآخر بكل صدق وعفوية , وسمع كلامها ومناقشتها للدين والفلسفة والحريات ,, فأكتم حبها فى قلبه وانتظر حتى حصل على الدكتوراه , فكلمها عن مشاعره و حكى لها عن وطنه وعن المستقبل المشرق الذى ينتظره هناك,,
و كيف انه لا يرى هذا المستقبل بدونها ,, فكان زواجهما, وقضا حياتهما كلها فى مصر وعمل أستاذ فى الجامعة وأنجب منها ولدان و بنت و قاما الأبوان بتربية الأولاد تربية صحية سليمة , وكبر الأبناء وتخرجوا فى جامعاتهم الواحد تلو الآخر ثم ماتت امهم رفيقة درب الأب ,, فحزن عليها أشد الحزن و كتم حزنه عليها فى قلبه كما كتم حبه لها اول الامر ..
و تفانى أكثر فى عمله و فى التدريس والترجمة والعمل الاكاديمي , وجأ عريس إلى أبنته فتزوجت منه ورحلت معه إلى بلاد النفط من أجل لقمة العيش , وسافر اكبر ابنائه ليكمل سيرة ابوه , فذهب إلي المانيا ليكمل دراساته فى الهندسة...
وفى تلك الفترة ازداد عمله وغرق فى التدريس والعمل الجامعى , حتى ان بيته اصبح ملحق للجامعة و ملجأ للطلاب وأصحاب الدراسات العليا ,و اتخد المنزل شكل الصالون الأدبي او العلمى , او مركز للندوات ,,
وفى هذه الفترة هاجر اصغر ابنائه والوحيد المتبقى له إلى كندا , ليعيش هناك و يعمل و يتزوج من كندية ويصبح مواطن كندى ,, وبعدها بسنوات وصل إلى مرحلة جديدة و هى المعاش القاتل المهلك , فأبدل الجامعة بالنادى ,وظل فى النادى مواظب عليه خمسة عشر عام ورأى رفقاء النادى يتساتقطون الواحد تلو الآخر فى مصيدة الموت ....
ثم وهن العظم وقلت الحركة , فأبدل النادى بالتلفزيون ونشرات الأخبار والجرائد , ومرت السنون وضغف البصر , فنسي التلفزيون والجرائد وأستغنى عن كل شئ ,, إلأ هذا الترانزيستور الصغير الذى يسمع فيه اغانى عالمه البعيد السحري وأذاعة القرآن الكريم....
إلى أن ضعف السمع كذلك وقل التركيز فابدل كل شئ بأشعة الشمس , فكل شئ ذهب ولا يظنه عائد اليه إلا تلك الاشعة الصفراء الطاهرة فأنها لم تخلف موعدها يوما ,فأصبحت كل الدنيا له شعاع وحرارة من الشمس ....
تذكر الشيخ كل هذه الحياه المليئة ثم نظر إلى حاله ووحدته , وكيف ان الكل تخلى عنه.. حتى زوجته التى طالما بكى فى كنفها ,رحلت عنه وتركته يعانى وحده ,فالكل بعيد عنه ,,تركوه وحيدا ...
لكنه لم يكترث, فلم يغضب منهم ولم يسخط,, و كان كل مالديه هو شوق لاولاده وطلابه والجامعة ورفقاء النادى ....
نظر إلى صديقه الأوحد لكنه لم يستطع ان يواجهها فصرف عنها وجهه,, وفرد ذراعه لكى يغمره الدفئ , وداعب أشعة الشمس بكوبه الزجاجى ....
ثم أفرض ظهره وأغمض عينه وقال لشمسه مودعها فى الغروب : أنا فى أنتظارك غدا,, إياك أن تذهبي بغير رجعة..........


كريـم الـراوى

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

صراخ القبة

صرخ الاذان مكتوما فى الشرق من فوق القبة العالية , صرخ منذ عقود و ساعتها تحركت اصابعكم و شفاهكم و هممتم بالتحرك,, لكنكم نحيتم الفكرة جانبا و فضلتم الجلوس على مقاعدكم الوثيرة و تقلبتم فى ثيابكم الحريرية المزركشة و اغمضتم عيونكم ,, لكن الصرخات لم تسكت ساعة,, فاغلقتم نوافذكم و استمتعتم بالمثلجات و الخسة بين كئوسكم ,, تعالت الاصوات و النداءات فيكم و عليكم فغضبتم ساعة,, بل لحظة و كان غضبكم من صياحات المرؤة و ليس من صرخات المأذنة او القبة ,, فالآن هاهو ينهار امام اعينكم , فلم تبكون؟؟ لم تؤنبكم ضمائركم؟؟ لم تدمع اعينكم ؟؟ لم كل هذا ؟؟ و إن لم تفعلوا فأنتم على حق , اتأتون الآن و تتذكرون النخوة !! بل عودوا إلى مثلجاتكم و بذائتكم,, و انظروا كيف الحطام يبدأ , شاهدوا انتصرات العدو وابتسموا وهنوا انفسكم,, فانكم اصحاب الفضل فى انتصار الغير ... انكم ابطال هذا الزمن التعس...

كريـم الـراوى

قلم وكلمة

لا اعلم حقا .. كل ما اعلمه هو انى عاشق للادب و الكتابة بكل انواعهما و اتمنى ان اكون من مريدين هذا الفن لكنى
عندما اكتب ارانى اتقمص شخص غيرى ...شخص يصطنع و يتفزلك و النتيجة ان يكون كلام فارغ بلا اى جدوى قد يكون المضمون ذو قيمة لكن طريقة الكتابة و الشرح الممل الذى اصحبه ببعض من الكلمات الصعبة المعقدة التى استعرض بها لأرضى غرورى و اقول فى زهو و انا اكتب ...هذا الذى بداخلى كاتب عبقرى خليفة العقاد و نجيب محفوظ ...لكن اجدنى انتقص اشياء كثيرة فأهتم بالافاظ و الكلمات المركبة على حق الموضوع ذاته حتى يكون عبارة عن لوحة سريالية معقدة عجيبة تؤذى الناظرين غير مفهومة للمتفرجين ولا حتى لصاحبها.....
لكن و الحمدلله ارى انى تخلصت من تلك الآفة بعض الشئ .. لكن المشكلة الاكبر هى فى انى لا اعرف كيف تخلصت منها فانى لم اتمرن لكى اهرب منها و لم اكتب كثيرا بسبب النتيجة التى كنت اراها فلا اعلم , أهى التى هربت منى؟؟ ام انا الذى هرب منها؟؟ و لكن فى أى حالة فأنا سعيد بهروبها ولا اتمنى ان اراها مرة ثانية.. حتى لا اقع مغشى علي من الصدمة و الحزن و الكأبة ...
وهذا بالطبع ليس معناه انى الان كاتب رائع او حتى معقول فأنا ارى انى مازلت ضعيف ...
مازال امامى الكثير و الكثير لكى اكمل فى هذا الطريق الصعب الذى اظن انه لن ارضى عن نفسي يوما فيه.....
حتى الان لا اعرف ما المشكلة اهى فى الاسلوب ام فى المضمون و الموضوع ام فى الملل حد ذاته من الكتابة أذكر مرة قرأت لعبدالوهاب مطاوع ان ابغض لحظات حياته هى عندما يمسك القلم و يشرع فى الكتابة ...و فعلا فأنا لا احب ان امسك القلم كثيرا فأنا عندما امسكه و ابدأ فى الكتابة اقوم بعصر مخى و محاربة المعانى و الافكار فى نفسي و عقلى فأتوه بين الالفاظ و الافكار و التسأولات و احترق من انتظار الاجابات و الالهام حتى تأتى البداية الحقيقية فأرانى اقوم بكربجة القلم فيجرى على الاوراق فى فيضان من المعانى و الافكار ...و لكن و آسفاه هذا لا يستمر لحظات حتى اجد المعانى و الكلمات تهرب من رأسى فأستجمع كل شجاعتى لكى الحق بها لكنها تتوه و تختفى فى سرداب مظلم بداخلى و عندها اكره الكتابة و العنها تلك التى تمزقنى و تجعلنى اشبه بمريض الصرع الذى ينتظر نوبته , ساعتها ارمى القلم بخنقة ,و اذهب للكتاب للقرأة و المطالعة تلك التى ما شعرت يوما بجفاء منها او اليها و لكن كل ما بينى و بينها هو شوق و متعة متبادلة حتى اقسم بالله ساعات عندما افكر فى مستقبلى اجد كل احلامى فى مكان ملئ بالكتب و المطالعة و افوق على فكرة تهزنى الا يوجد فى مخيلتى للمستقبل , وظيفة ..منصب...امرأة؟؟ فأبتسم ولا ارد ولا اعرف لماذا لا ارد, أهو زهد فى المتع الحسية؟؟؟ و انى استبدلتها بالكتاب,, ام انه ممكن ان يكون فى مستقبلى أشياء أخري لكن الاهم هو الكتب !!..
لكن عداوتى مع الكتابة او دلالها علي الذى مقته يجعلنى كل مرة و انا اقرأ فى كتاب و تأتينى فكرة لقصة او مقال انبذها فانا الآن اقرأ و لا شريك لوقت القرأة ابدا,, و فى هذا الوقت اسمع صوت توفيق الحكيم يصرخ فى وجهى و يقول ايها الابله الاحمق و اتذكر قصته العبقرية -- ميلاد فكرة-- و كيف ان الانسان يأتيه فى اليوم عشرات الافكار التى من الممكن ان تنير حياته و حياه شعب بأكمله لكن صاحب الفكرة بكل بلاهة ينحيها جانبا لكى ينام او يجلس فى لا مبالاه,, أنا الآن اقدر تلك البلاهة الان انها ليست بلاهة و لا كسل لكنه رعب ...الرعب من القتال مع تلك الفكرة التى تهلك العقل و القلب فتجعل من صاحبها كمجنون يجري خلفها فى البرية....يرجوها ان تكتمل فى عقله و تظهر له واضحة لكن دلالها السخيف المنهك الذى لا يسمع صوت صاحبها يجعل منها فكرة مغرورة بعيدة المنال .. ليس للكل نفس طول النفس حتى يستطيع ان يلاحقها فى كل مكان ...و لكن احقاق للحق ان ميلاد تلك الفكرة و اكتمالها فى عقل و بقلم صاحبها يكون عظيم الآثر, و ينظر له صاحب الفكرة و كأنه استطاع ان يهزم وحش من وحوش الف ليلة و ليلة ليتحول الى ابن محبب مدلل لصاحب الفكرة فيمشى يختال بها... لكن فى الحقيقة احزن كثيرا لمن هزمته فكرته و تكبرت عليه و آبت ان تكون مليكته فاذا هو يقوم جاحظ العينين مقوص الظهر متأجج الصدر ..

بعد كل هذا اعلم الآن ما اريده و ما اريده هو ان اكون من اهل الافكار و القلم فلا بأس ان هربت منى كل شهر الف فكرة,, يكيفنى منهم فكرتان فقط اهزمهم واطوعهم لقلمى
... ...

كريم الـراوى