الثلاثاء، 2 مارس 2010

شمس النهار



(شمس الكهولة كلاكيت تانى مرة)

اكتب اليكِ للمرة الاولى رغم ان صداقتنا ضربت جذورها بالاميال فى نفسي , لعل حميميتنا لم تكن قديمة , لكن التعارف بيننا كان منذ الأزل ...
مجنون سيقولون عنى عندما يعرفون انكِ من اكتب اليها , واشكوى اليها , وانام ليلي مرتعدا من هذا الظلام المحبط متوشحا به , انتظركِ فى شوق بلغ حدود السماء , تتغنى به الاطيار , والحق اقول انكِ ما اخلفتى موعدنا ساعة , فكل نهار افتح نافذتى لأجد منكِ علامة , فأسرع وشوقى اليكِ يتقاطر من نفسي كامطار الكرم فى قصور غرناطة , فأجدكِ نشرتى بهائك فى نفسي قبل الكون المتشوق لرؤياك ....
شرفتى الصغيرة المحففة بأزهار البنفسج والياسمين تزداد جمالاً بزيارتك , وها انا اجلس منذ صباح يومى مستأنسا بلقائك , تداعبنى خيوط شعرك الذهبية المتناثرة حول عنقى , ودفئ قلبك الذى طهرنى من رطوبة الزمان ....
نعم اعتدنا الجلوس نتودد لبعضنا بحروف الصمت البليغ , لم يعد لى على وجه هذا العالم إلا صحبتك النهارية , فماذا ينتظر كهل مثلي من رجال الحياه , فلم اعد جندى من جند الدنيا ولا من ارباب القوّل , سقط منى الزمن منذ امدا بعيد لا اذكره ... لكن اليوم وقعت عليّ مفجأة ارتعد لها اعضاء الجسد الواهن , ان اليوم هو عيد ميلادى التسعين , تخيلِ انى عشت فى هذه الدنيا تسعة عقود , ضعُف فيها القلب والبصر , والسمع اصبح خيالات ورؤى , لكن ذاكرتى تأبي النسيان , تقف امام طوفان طاغى من الايام والاحداث ببسالة , ها انا يا صديقتى ابلغ ارذل العُمر , الذى دعوت ربي ان يحرمنى منه , لكن نفذ فيّ قضائه ....
سنوات مضت عديدة لا اذكر ملامحها على وجه التفصيل , لكن المجمل محفور فى قلبي قبل العقل , يوما استلمت فى يدى ورقى أصبحت الآن باهتةٌ صفراء , كانت شهادة التوجيه العام , ذهبت بها إلى أمى والسعادة اوزعها على كل من وقعت عيني عليه ....
انا يا امى اصبحت رجل , افندى حاصل على البكالوريا , فى اعلى السماء وضعتنى امى بعد ان اقنعتها بضرورة اكمال دراستى بالجامعة , قلة من اهل الحي والعائلة من التحق بالجامعة , الكل يطمح بعيون مترقبة إلى البكالوريا , اما انا فكان حلمى بلا نهاية , كنت استولد من كل نهاية هدف , جوقة من أمال اُهدي بها عقلى ونفسي , فى الجامعة درست اداب الانجليز , برعت تفوقت , كنت نابغة الجامعة , ومحط اعين الاعجاب , كانت تلاحقنى عيون زميلاتى لتضيق علي حياتى الجامعية , عدم الاكتراث بهن كان ديدنى , فأنا وسط مقررات ومراجع الادب وجدت الحياه , يترأى لى هذا اليوم وكأنه حدث قبل ان اكتب اليكِ الآن مباشرة , عندما استدعانى عميد الكلية وبشرنى بأنى الأول على الدفعة , ربت على كتفى واوصانى بالعمل الاكاديمي ....
لا أصدق ان هذا كان من عقود خلت , انى اذكر اول يوم لى فى التدريس الجامعى وكأنى مازلت ارتدى تلك السترة البيضاء , التى ظهرت بها فى اول يوم , وانا احاول التغلب على نظرات الطلبة , فانا فى مثل اعمارهم تقريبا , لكنى انا الاستاذ الآن , مرت شهور فقط لأجد رسالة عليها اسمى , تأتى لتخبرنى انى مرشح لبعثة فى لندن لأكمال دراساتى فى بلد الأدب المدروس منى طيلة سنوات , بعد موت الأم ايتها الصديقة الوفية يكون الانسان حطام , لم افرح بتلك الرسالة بالقدر المأمول , فبعد وفاتها لفترة اعتادت عيني السواد المظلم , وافقت على البعثة لأكمل طريق بدأته , لكن تلك المرة لم احمل الإثارة والشوق فى دفاترى , فكان زاد سفرى هو استئناف مشوارى فقط ....
وهناك فى بلد الثلج الأبيض جمدت المشاعر كثيرا , أصبحت حياتى دورة ديناميكية من الافعال وردها , كأنى قطار مرسوم له خط السير , لا يتجاوزه ابدا , اذهب الى الجامعة صباحاً , واقرأ ليلاً , فى تلك الايام الباردة ارتسم فى قلبي صورة تلك الفتاه الشقراء , فسبحان الخالق , كان جمالها من ايات الله المعبود , انظر اليها خلسة بين فصول النهار , فاردد اسمه البديع ....
وكأن بوجودها يا صديقتى بدأتِ فى الأشراق من جديد , فانصهرت جميع الثلوج , وازدهرت الورود على الاشجار , وتوشح الكون بضياء سنها البسام , وكأن العالم كله تلاشت صوره فى عقلى ونفسي , واحتل جمالها كل ما في , لم افطن الى نفسي فى يوما من ايام احتلالها الوردى لقلبي , إلا لأجد نفسي اتناسي كل ما درسته بلغتها ولغة اجدادها , فأكتب فيها اجمل الاشعار بلسان قومى, فضحتنى عيناى وحركاتى المتوجهة نحو مغناطيسيتها الجاذبة لكيانى , صارحتها بما اصابنى جراء نظرة عيونها نحوى او نحو المدى , رأيت ضحكتها المرتبكة بخجل الأنثى , فتشابك ايدينا , وتحاضنت عيوننا ,وتعانقت قلوبنا , وتوحدت ارواحنا ....
صحبتنى إلى بلادى بعد انتهاء البعثة , و فيها رأيتها تعطينى الذكر والانثى بفضل من الخالق سبحانه , وفى جامعتى كنت اجتاح السلم الوظيفى وكأنه سلم كهربائى , فأصبح رئيس لقسم اللغة الانجليزية بكلية الاداب , واحاضر فى جامعات اخرى محلية وعربية وعالمية , ارى امامى ابنائى يُزهرون سنوات العمر , وتنضج اوراقهم وعقولهم , وكأن الحياه طائرة نفاثة , أجدهم فى طولى ويتكلمون ويتناقشون معى , تنظر لى امهم مبتسمة , وجمالها لم ينضب ابدا , كانت اجمل سنوات العمر يا اقرب الاصدقاء , كنت فيها الزوج العاشق والأب الحنون والأستاذ الناجح , فى يوم من ايام هذا العمر المنقضى , جلست امام النهر انا وهى , نتذكر ليالينا الاولى على التيمز , ساعتها اسرت لى ان ولدنا سيلتحق بكلية الهندسة , يومها شعرت بأن شعري شاب , الم اكن اعرف انه التحاقه بالجامعة قد آن , لكن معايشة اللحظة غير انتظارها ....
ملعون هذا المرض الخبيث الذى يحصد ارواح الاحباء , أمقت لحظة , عندما ترى اجمل الازهار تذبل امام اعينك , والعجز والصمت القاتل هو كل ما تملك , اُصيبت زوجتى ورفيقتى بأبشع الامراض فتساقطت خصلات الذهب من رأسها , وانطفأ نور الحياه من وجهها حتى فقدتها ,,, للمرة الثانية تُظلم الحياه امامى , اُبصر فأجدنى وحيدا , ابشع احساس عندما تشعر انك مبتور ....
تعاظم دور ابنتى فى حياتى بعد وفاه امها , وكأنها ادركت بحسها الانثوى او الامومى انى يتيم ارمل مكلوم , شجعتنى على الانتباه لعملى , هيأت كل الاجواء لأستئنف دراساتى الدائمة فى غرفتى بكل هدؤ , سهرت على راحتى , كثيرا ما احجبت عنى اخيها حين كان يحاول الدخول علي فى صومعتى , ليطلب منى توافه الامور , لكنه كبر وصار مثلي فى شبابي القديم الطامح , فها هو يتخرج باعلى التقديرات , ويطلب منى ان اساعده فى بعثة الى المانيا ليكمل دراسته ....
كانت لحظة قاسية وانا اودعه فى المطار وهو مسافر إلى بلاد الألمان , احتضنته بكل قوتى , وانا اشعر انى اودع فيه امه وامى , وانا اتحسس ملامح وجهه واصبر نفسي بأن اللقاء قريب , اتسع البيت علي انا وابنتى , أصبحت هى كل الحياه الدابة فى نفسي , بها تشجعت على اقامة مقابلات اسبوعية فى بيتنا الواسع بينى وبين اساتذة اخرين وتلاميذى نتناقش ونمزح ....
فُوجئت , بُهت , صُدمت , وكأن كل سكان هذا الكوكب دقوا على رأسي بمطارقهم عندما ظهر شاب فى حياه صغيرتى , انها صغيرتى لكنها فتاه , شابة بالغة لسن الرشد , لم اتخيل يوما فراقها , كرهت هذا الشاب الذى جلس امامى بمنتهى الادب البارد ليطلبها للزواج وليخبرنى انه يعيش فى احدى البلاد التى تسبح على انهار النفط , رأيت السعادة والبهجة يقفزان من عينيها , لجئت إلى السكوت , لا لن اكون انانى لكى احرمها من الحياه , طالبا منها ان تهبنى ما حرمنى منه القدر , وافقت على الزواج , ورقصت فى فرحها بكل قوتى , وكأنه احدى حفلات الزار التى يترنح فيها الضحية على الطبل والزمر والصراخ ليقع فاقد الوعي والحس , وكأنها احدى حالات السكر للنسيان ....
عشت بعدها يا صديقتى منغمسا فى العمل الاكاديمي والمحاضرات الجامعية , والندوات العلمية , لم اجعل يومى راحة ابدا , تعمدت على ان احوله إلى ضوضاء رهيبة , تهرُب منها كل الافكار والمشاعر , لكن كان قرار احالتى إلى المعاش وكأنه شهادة وفاه جديدة لأعز الناس , اعتزلت الناس بعده لفترة , كدت ان استسلم للشيخوخة مبكرا , لكنى قاومتها بالنادى , فكان صباحى كله فى النادى , اجالس رجال فى مثل عمرى , نتكلم فى السياسة ونشكى الى بعض حال الدنيا , نلعب الشطرنج , ولسنوات كان النادى حياه جديدة لى , وكأنى عدت مراهق لا اتحمل هموم وظيفة او مسؤليتها , بل كانت كل حياتى هى مجموعة المسنين اليائسين , طالت فترة النادى , ورأيت الاصدقاء تهب عليهم رياح الخريف فتذبلهم وتطيح بيهم الواحد تلو الآخر حتى بقيت انا وحدى ....
لكن للزمن تجاعيد وشيب لا يستطيع مخلوق ان ينكرها او يجحدها , فنحن فى ايدي الزمان ليس مثلك ايتها الصديقة الخالدة , فحين يأمر العُمر لابد ان نستجيب , فاستجبت بكل رضا للوهن والضعف , اعتدت على ان اصادق اعراض الزمان , احباطى لن يرجع ما فات , فكان محتوم علي ان امشي مع شيخوختى فى طريق الحياه او اللاحياه , فحياه جديدة عايشتها بعد النادى , وهى حياه المنزل الخاوى من الاشخاص , اقرأ نهاراً حين يساعد الضوء عيناى وفى الليل افتح تلفازى لأشاهد الاخبار والمسلسلات ...
كان الفراق هو المقدور علينا دوما , نودع الاحباب بحسرة القلب وعبرات الاعين , لكن بعد ان نعتاد على الوداع نعلم انه سُنة الحياه, لن انكر حزنى حين سلبت منى الحياه نظرى , فأفقدتى القرأة ومشاهدة التلفاز ...
كُتب علي مفارقة الاحباب , فها انا اودع نظرى مصحوبا بالقرأة وصديقى التلفاز , فلجئت إلى المذياع , اجلس بجواره منصتا إلى ترتيل القرآن , واداعب أذنى حينا بموسيقى زمنى البعيد , هذا المذياع كل ما تبقى لى من اصدقاء , استمع اليه فى كل حنان , تدمع عيناى احيانا وانا اسمع حلقاته الدرامية , اعيش فى رحاب القرآن معه , معه عرفت الاصوات , وميزت بين القراء وفنونهم ....
صعيبة جدا هذه الايام التى رحل عنى السمع هو الآخر فودعت فى حسرات اخر صديق , إلا ان ظهرتِ انتِ يا انبل الأصدقاء , واوفى المخلوقات , حين ظهرتِ لى واغمرتينى بموجات الحب النابعة من قلبك الدافئ , داعبتنى اشعتك الطاهرة ورسمت لى الخيالات التى بها تقلبت فى حيوات مفقودة , ها انتى تقفى على رأسى تارة , وترسلى بعضا منك على انحاء متفرقة من الجسد والبيت , تأبي ان تذهبي إلا ان تأخذى معك يوميا عطن حياتى الراكدة , لن اوفيكِ حقك لا برسالتى هذه ولا بالقليل المتبقى من عُمرى ....
ايتها الشمس الطاهرة الوفية , يا كل من تبقى لى فى هذا العالم , يا اقرب الخلان وانفس الاشياء , امانة عليكِ لا تتركينى كباقى الاصدقاء , فأنا لن ابتعد عنكِ نهارا , ومعك سأنتظر الزائر المتأخر لسنوات .....


كـريم الـراوى
مارس 2010

الجمعة، 19 فبراير 2010

على المقهى




فى تلك المقاهى المتزاحمة بوسط المدينة كنت اجلس ارشف الزنجبيل والشاي , اعلن عن ارائى الجريئة فى السياسة وافند ادباء واصدر احكام على مجتمع بأسره ,, اجالس من يستقبلون الحياه واناقشهم فى الفن والموسيقى والسينما المحلية والعالمية .. وقتها شعرت وكأنى ملك متوج على عرش من ذهب اصدر احكام على اكبر رأس واسحق من لا يوافق هواى ...مثلى كانوا اصحابى ومجالسيني , شباب رأوا فى انفسهم طاقات وآمنوا ان التغيير واجبهم .. وانهم اقدر الناس عليه ... شباب اختبئوا تحت دخان سجائرهم وأضفوا سحابة كثيفة الغيام من شيشهم ... لعلنا كنا نختبئ من ضعفنا وسط كل هذا الدخان وندارى جلهنا المرفوض منا....يجلس حول منضدتنا اكثر من فتاه بعضهن يشاركوننا فى التدخين واللعن والسباب ...معتدقين اننا بهذا وصلنا الى قمة الحرية والانفتاح الفكرى .... نعم أذكر هذا الموقف عندما كنت اجلس الى صديقى الاسمر وكنا نتناقش عن الاديب خيرى شلبي وعن رواياته وابطالها المهمشين فى مجتمعنا , يومها جرّنا الموضوع و تطرقنا الى الشعوب المنسية فى وطننا الواسع المتعدد اللهجات والثقافات .. قال هو بصوت عالٍ انه يجب ان نفهم اننا لسنا شعب العاصمة فقط وان اهل المدينة الكبري هم على كل حال اقلية اذا قورنوا باقليات وطوائف عدة ... استمعت الى كلماته بشئ من الانتباه ثم اطبقت شفتاى على سيجارتى المشتعلة ( ادعوا الله لى ان يثبتنى بعد ان اقلعت عنها ) قلت له ونظرى يجوب بين كل الحاضرين ... اتعتقد انهم ينظرون لنا على اننا غزاه .... فقالت احداهن مسرعة : انهم يعتقدوا انهم مواطنون درجة ثانية واننا اهل الصدارة ... قال صديق : لا يجب ان يفكروا على تلك الشكالة ان كل ما فى الامر اننا متمدينين ونفهم ما قد يعجزا عن فهمه .... دوى صوت صديقنا الاسمر الاول قائلا .. اننا لا نفهم إلا لغة الغرور وما اهل العاصمة والمدن إلا شرذمات مهاجرين من كل بقاع الوطن .... قال صديق : اننا من يقود عجلة القيادة ويجب عليهم ان يثقوا بنا حتى نصل بالوطن إلى بر آمن .... قلت : انت تسطح الموضوع وتسفه عقول الملايين بكلامك .... عند هذا الحد سمعنا ضحكة عالية من منضدة مقاربة لنا من رجل شديد السمرة وجّه كل بصره وجسده الينا ... رجل توارى السواد فى رأسة حتى غلبه الشيب , تجاعيد وجهه تشهد له بأنه عاش طويلا .
قلت له بفظاظة بعد ان قاطعتنا ضحكته العالية : عذرا هل انت مشترك معنا ؟؟؟
رد بمنتهى البساطة وأثر الابتسامة مازال على وجهه : ان كنت تقصد مشترك معكم فى وطنكم الواسع فنعم , وانت كنت تقصد فى الحديث فنعم ايضا ولكنى اسمع فقط , وانت كنت تقصد مشترك معكم فى تلك الاراء فتلك ردى عليها بلا .
افحمنى رده ورأيت فيه من الحكمة كثيرا , طلبت منه ان يشاركنا الحوار ان احب , رحب بفكرتى وآتى بكرسيه وجلس حول منضدتنا التى كانت مليئة بعلب السجائر وبعض الكتب فى السياسة والادب والشعر وبالطبع لم تخلوا المنضدة من بعض الكتب الاجنبية عن تراجم عظماء الادب والفلسفة , رأيت الضجر والغضب فى عيون كثير من اصحابي تمرقه مرة وانا مرة ففهمت ما يغضبهم , ان هذا الجيل يكره نوع هذا الرجل المسن ويرى اننا قادرون على حل مشاكلنا دون تدخل او نصائح من الشيوخ بل يروا اكثر من ذلك , وان كل الذى آلت اليه امتنا كان بسبب طيش وتهور جيل هذا الرجل , وبالطبع كنت اشارك الرجل فى الغضب الموجه لانى من دعاه الى مجلسنا بعد ان كنا نتناقش ونختلف ونلعن , ثم نسكت فجأة وكل منا معتقد انه بذلك بات بطلا وكأنه شارك جيل الاباء فى العبور .
قال صديقى الاسمر الغاضب دوما : وانت ايها الرجل ماذا ترى فى كلامنا , رد الرجل بهدؤه المعهود : فى مسئلة مناقشتكم للوطن فانا ارى انكم تبالغون وانكم تبحثون عن ما يجعلكم تختلفون حتى يشعر كل منكم بالتميز ,ان الوطن الذى تتكلمون عنه لطالما عاش بكل الطوائف المنسجمة قرون فماذا حل الآن . قال صديقنا الغاضب : ما حدث انه يجب ان يُرفع الظلم الواقع على طوائف بين شعبنا .
قاطعه الرجل واشار بيديه رافعها امام وجهه : ليس هناك طوائف بين شعبنا , انما كلنا شعب واحد فى وطن واحد واسع كبير يشمل ثقافات عدة , الم تفكر يوما ان تلك التعددية قد تكون ميزة فى اثراء حياتنا الثقافية والابداعية , الم تلاحظ على بشرتى ولونها انى اختلف عنكم جميعا , فأنا يا بنى من تلك ما تسميهم انت طوائف ,ثم وجه نظره الى احدنا قائلا : ومن تظنهم انت غير قادرين على مواكبة العصر وحكم انفسهم ووطنهم .
نظر بعضنا الى بعض بعد كلمات الرجل وكأننا شعرنا بضألة تفكيرنا لكن احداهن اسرت الى من يجاورها بالانجليزية قائلة : لم نكن ننتظر من هذا الخرّف ان يأتى ليعلمنا . فقلت لها مسرعا بنفس اللغة التى تحدثت بها وانا احاول ان اضبط تعبيرات وجهى حتى لا يلاحظها الرجل : اسكتِ واسمعِ ما يقول .
فقال الرجل موجه حديثه لى اتركها تقول ما تشاء يا بنى فأنا اعلم جذوة ثورة الشباب .
بهت جميعنا ان لم يتوقع احد منا ان يكون هذا الرجيل البسيط الهيئة متقن لاحد اللغات الاجنبية .
فال الرجل : اتستغربون انى اتحدث الانجليزية ؟؟ لا تستعجبوا فانا اتحدثها والفرنسية والروسية كما اتقن اللغة المحلية لاهل اقصى الجنوب حيث انى واحد منهم , هذا طبعا بخلاف لغتى الاولى وهى العربية .
استئنف الحديث قائلا , عندما كنا فى اعماركم كنا اكثر حيوية وشباباً وما اراكم الا عاجزين لاجئين الى المقاهى , فعندما كنت فى عمركم كنت اخرج فى مظاهرات مطالبا بالجلاء انا وزملائى , فكنا نهتف ضد الملك وضد رئيس الحكومة مطالبين بتعديلات الدستور , منددين بوحشية الفرنساو فى الجزائر , كنا ننادى باستقلال تونس وسوريا ووحدة حوض النيل , نلعن الصهيونية وبيع فلسطين , كنت ارى انا وجيلى ان مشاكل العالم كله يجب ان تمحى وان لابد ان يأتى العصر الذى يحيا فيه الانسان بكرامته , كنا نرى اننا من سيحقق العدل الذى اختفى عن تلك الارض لعقود وقرون .
كلمات هذا الرجل وان كانت تحمل هجوم علينا وعلى تفكيرنا لكنها سحرتنا فكلنا جالس على كرسيه كل نظره الى عين هذا الشيخ والى حركة شفتيه وهو يحدثنا , كنت اشعر اننى عدت طفلا اجلس الى جدى وهو يحكى لى روايات السيرة الهلالية والف ليلة وليلة , شعرت بطفولة عقلى امام هذا الرجل .
سكت برهة بعد ان لم يجد من يقاطعه فينا فنظر في عيوننا فرأى شوق المعرفة فأكمل حديثه قائلا :
قد نكون كنا اكثر تخلفا منكم ووسائل المعرفة فى عصرنا كانت على اضيق الحدود ناهيكم عن الرقابة القاتلة لاى ابداع التى كنا نلاقيها من الاحتلال وجنده , لكننا كنا على قدر المسؤلية فكان عند اى استكانة منا نسمع من يقول لنا سوف تلاحقكم لعنات ابنائكم يوما , انكم ورثتم الجهاد كابر عن كابر , نعم جهاد الاباء والاجداء لم يحرر الارض لكنه كان مصدر ازعاج دوما لهم , نعم كانوا يكافئون بطلقات ذوات العيون الزرقاء تحاضن صدورهم , لكن ذكراهم عاشت بيننا , وبموتهم امدونا بقوة خفية تحركنا على الرفض فلم تكن حياتهم ومماتهم هباء .
اوصل كلامه قائلا ...فكنا ننشر فضائح المحتل وان اختلفت جنسيته فى كل بلدان العالم , ونفضح نزوات الاعيان ومن باعوا وطنهم ونحصد ارواحهم الواحد تلو الأخر ... كنا دائما مصدر ازعاج وقلق لأى ظالم .. اوتصدقون انه مع كل هذا لم نتهاون فى تعليمنا يوما ... كان التعليم بالنسبة الينا ساحة جهاد جديدة ... فبالتعليم سنحرر عقول شعبنا من الخرافات ونزرع ارضنا ونُصنع منتجاتنا الخام , ونحول كل فرد الى عامل او فلاح او مثقف ...
تنهد الرجل ونظر الى اعلى ثم عاود النظر الى الشارع وبين المارة وانتبه الى اغنية اجنبية فى الاذاعة ثم اردف قائلا , لم نكره الفنون يوما , لكننا كنا ننتمى بكل ما فينا الى هذا الوطن حتى فى فنوننا ولهونا , لقد ظلت جيوش الاجانب وسطنا ماظلت لكنها لم تستطع ان تغير ثقافتنا ولغتنا , كنا نقاومهم بالتمسك بتراثنا , وان كنت اتكلم عدة لغات , لكن تخيلوا اننى لا اتذكر انى لجئت الى احداهم مرة اثناء تخاطبي مع احد فى وطنى إلا إن كان اجنبيا , عندما تعلمت تلك اللغات كنت اعرف انها للثقافة والعلم وللقرأة فى ادب الغير وعلمه ,, وان تحدثتها فهو للتواصل مع من يجهلون لسانى . ثم نظر الى الارض تحت قدميه وقد عبس وجهه على غير عادته وقال .. انا لا افهم لماذا تستخدمون فى كلامك كل تلك المصطلحات الاجنبية دائما , الآن فقط وانا اسمع جيلكم وهو يحشوا حديثه بتلك الكلمات اشعر ان جهادى ضد الاحتلال كان بلا فائدة , أشعر وكأن كل من استشهد حولى من اصدقاء وجيران واقارب برصاص العدو قد مات وانتهت ذكراه .
رفع رأسه قليلا وعاوده شئ من الابتسام لكن فى الواقع لم تكن هذه المرة كالابتسامة الاولى , بل كانت واحدة ممن تملك قدرا من التهكم والسخرية ثم ذيّل ابتسامته تلك بسؤال : أهل إن كان الاحتلال فى زمنكم هذا بكل مميزاته وامراضه كان سيكون موقفكم منه كما كنا نفعل ؟؟, ام هل إن كان فى زمننا نحن نملك شيئا مما تملكونه بين ايديكم كان سيختلف جهادنا ام انه كان سينعدم ؟؟؟
جاء الصوت هذه المرة من مقعد اخر كان لصاحبنا الغاضب فقال بصوت منخفض بعد ان ادرك صغر قامته امام هذا الرجل الذى يحمل بين جنباته تاريخ وعلم وجهاد فقال : يا استاذنا نحن جيل بلا ايدلوجية , فانعدم فى زماننا الاحتلال والحرب والسلام ,,, فقطاعه الرجل بضحكة عالية قد كنا بدأنا فى الاعتياد عليها ثم حاول ان يكتم ضحكاته فقال : ماذا تقول يا ولدى انعدم فى زمنكم الحرب والسلام والاحتلال - فأطلق ضحكة قصيرة ثم قال - بل انا ارى ان هذا الزمان هو زمن كل الايدولجيات وعصر كل المصائب , انكم يا بنى فى حرب شرسة تضع تحت اسم السلام وفى احتلال اعمّى ابصاركم حتى انكم لا ترون جنوده ...
قلت له مستلطفا وماذا ترى انت يا ابانا ؟
رد علي فى حنو : الشباب دائما لا يقبلون النصائح , فلن انصحكم او اوجهكم الى شئ بل كل ما اريده منكم هو التحرك الى الامام , ان تدركوا انكم ورثة وطن عظيم وتوشكوا ان تكونوا كبرائه . انتم من يجب ان يعرف المشكلة حقا حتى يستطيع ان يحلها , تخلوا عن احلام التمدين المحرف الذى وصل اليكم , ان كل التقدم هو العمل على الاصلاح وليس العمل على الظهور كمتحضرين ,, لا يهم ماذا تلبس وبأى لغة تتحدث حتى تواكب عصر النهضة , فانا طفت بلدان العالم فلم ارى شعوب جاهدت محتليها كما فعلنا , لكنى ايضا لم اجد شعوب عاشقين لمحتليها كشعوبنا . انتم من يجب ان يجد مشاكله ويعرفها , وهى على العموم واضحة كالشمس فى كبد السماء , لكنى ارى انكم تعودتم عليها فما اصبحت مشكلة لكم , فذهبتم تبحثون عن توافه الامور لتعظموا من امرها حتى تجدوا ما تتناقشوا فيه .
قال احدنا له : لكنكم خلفتم لنا من المشاكل ما يكفى حلها لقرون .
فقال الرجل وهو يقوم عن مقعده ومناديا للنادل ان يأتيه بالحساب : يا ولدى نحن لم نخلق تلك المشاكل وان كنا خلفناها , فنحن قد رفعنا عنكم ما هو اعتى منها , فيجب عليكم انتم ايضا ان تجاهدوا فى حل ما اورثناكم حتى تتخلصوا من بعضه وتتركوا ما تبقى منه لاولادكم واحفادكم , فالمشاكل لن تحل كلها لكن حاولوا معها , ثم رفع يده مودعا لنا وذهب ماشيا , لكنه وقف بعد ان ابتعد عنا خطوات ثم قال بصوت عال : لكن امانة يا ابناء هذا الوطن ان لا تتركوا كل المشاكل للاجيال القادمة . .


كريـم الـراوى

الأحد، 14 فبراير 2010

فى حضرة الكبار




وسط تردد بعد قرأة خبر زيارة الغيطانى وشلبي واصلان لمعرض الكتاب بجناح الشروق واللقاء المفتوح بينهم وبين الجمهور للتوقيع , قررت ان اكون ضمن الحاضرين الحائزين على توقيعات الاساتذة .
فى جناح دار الشروق وقفت فوجدت امامى اعظم كتاب وادباء مصر فى العصر الذى نحياه فانا ارى الغيطانى والكفراوى واصلان وخيري شلبي .
كنت قررت ان اذهب اولا الى الغيطانى بحكم انه اكثر من قرأت له وسط الحضور لكنى وجدت الزحام حوله يتزايد ونظرت الي يمينى فوجدت الرجل المسن ذو الشعر الابيض الاشعث والنظارة الطبية التى تحجب خلفها عينان رأت وقرأت وتقلبت فى حيوات ثرية بالحس والتطلعات والمعرفة وفضحتنى روايته التى كانت فى يدي (( زهرة الخشخاش )) , ارتبكت للحظة , انى انتظر الغيطانى وعيني فجأة وقعت على عين عم خيري ورأى روايته فى يدي فنظر لى مبتسما فى ود وترحاب , ذهبت اليه وكلى مشاعر مختلفة فماذا اقول له , ايكفى ان اطلب منه توقيع ثم ارحل هل اقول له انى من اشد المعجبين , كل هذا دار فى خاطرى لثوانى , مسافة ان نظر لى مبتسما الى ان شرعت اليه , اعطيته الرواية لكى يوقع عليها بعد ان صافحته وضغط على يده بعض الشئ محاولا ان ارسل له بعض ما يجول فى خاطرى فكانت اول كلماته سؤال عن اسمى لكي يكتب لى الاهداء ,
جاوبته بأن اسمى كريم الرواى , فنظر الى وضحك وقال لى سائلا مداعبا , ( على كدة احنا اقارب ) للوهلة الاولى لم افهم مقصده , اهو ينتمى الى عائلى الرواى , ام بسبب ان بطل روايته التى يكتب لى الاهداء عليها اسمه بهاء الراوى , ام يرمى الى انه روائى وينتمى الى الرواه بشكل عام , شعرت ان الاخيرة هى الاقرب الى الواقع وبالفعل كان هذا , فقلت له ( هذا شرف كبير لى يافندم وبالفعل انا لى بعض المحاولات فى القصة والخاطرة فأبتسم لى مرة اخرى , وبدأ فى الاهداء الذى كان رقيق حقا فكتب لى (( إلى ولدى العزيز كريم الراوى لعله ينضم الى قبيلة الرواه على الورق مع حبي واعزازى )) ثم توقيعه ,,
ثم كان الاستاذ ابراهيم اصلان الذى لم اكن قرأت له اى شئ وكانت كل علاقتى به هو الكتاب الذى اشتريته قبل ايام ولم ابدأ فيه بعد وهو (شئ من هذا القبيل) لكن كان لأصلان طلة خاصة حيث ابتسامته الدائمة وشعره الكثيف الذى يتوارى فيه بعض الخصيلات السوداء من هجوم الزمن بجنوده من الشيب الذى احتل رأسه ,
وشاربه الثقيل جدا ونظارته الرقيقة ,, ويده المرعوشة التى احتضنتها بكلتا يدايا واقتربت منه لاقول له انه قيمة وقامة عظيمة فى ادبنا المعاصر فسألنى عن اسمى ايضا فقلته له , فكتب لى اهداء رائع , وروعته عندى كانت بسبب رعشة يده الدائمة وصعوبة مسكه للقلم , فشعرت وهو يكتب الاهداء اننى احوز بشئ خاص جدا وان التوقيع هذا يحمل معنى عميق فى نفسي ..
وجاء دورى لكى اذهب الى الغيطانى اول من رتبت للقائه واخر ما وقّع لى بعدما اصابتنى نظرة عم خيرى شلبى , كان معى له العديد من الكتب لكى يوقع لى عليها , فها انا اقف امام سلطان الرواية العربية واحد من اقطاب الصوفية الذى تنكر فى زى معاصر , لكنى صدمت بخجله الذى الجم لسانى كثيراً , فالخجل ليس ببعيد من مكنونى انما هو جزء متأصل فى شخصيتى احاول التغلب عليه ان وجدت الرحابة فى من امامى لكن مع صمت الغيطانى وهدؤه الجم حتى الواضح فى اهدائه الذى لا يزيد عن ثلاث كلمات , آثرت السكوت ولم اقل الا اننى من عشاق قلمك وان لى بعض المحاولات فى القصة القصيرة فرد قائلا مكتبي فى اخبار اليوم مفتوح لك , فطلبت منه ان تؤخذ لنا صورة سويا فقام من كرسيه مرحبا ووقف بجوارى او وقفت بجواره والتُقطت الصورة , وكنت افكر فى تلك اللحظة هل يعلم الغيطانى كم من اوقات انفقتها وانا اقرأ له , كم من مرة عشت فى شخصياته وحول تراثه فى البنيان والتاريخ والفلكلور العربي , اننى ذهبت اليه ومشيت ولم ازداد شيئاً ,هل كنت اتوقع ان بمجرد مصافحته وبمجرد ان تتلامس الاكفف ان تصيبنى شئ من عبقريته ومخزونه الثقافى ,

بالطبع لم افكر فى هذا لكن جل ما دار فى ذهنى ان اذهب للاساتذة , وبالفعل فعلت , وبعدها تجولت فى المكتبة قليلا بين الكتب واشتريت بعضها ثم لاح لى ان اطب من عم خيري شلبي صورة وقد شجعنى ذلك تودده لى وابتسامته التى تجعلك تشعر بأنه قريب منك وانه ينتظر منك اى كلمة لكى يرد ويفتح حوار , ذهبت اليه قائلا ( انا يا عم خيرى بكتب وكنت اتمنى ان اتواصل معك لكى اسمع رأيك ) فقال لى بود ( يا راوى انا مش بنزل من بيتنا نهائي دول جابونى النهارده بالعافية , على العموم هذا رقمى واطلبنى فى اى وقت ) ثم طلبت منه الصورة فرحب بالفكرة , كان الاستاذ خيرى شلبى اكثرهم بشاشة وود , وعلى الاقل هذا ماشعرت به.
عموما كان لقاء رائع وسعدت به جدا وشرفت بالصورتان.


كـريم الـراوى

الأربعاء، 10 فبراير 2010

رحلة مع الصبابة والوجد




يكتب الغيطانى رسالته فى الصبابة والوجد ليخبرك بفحوى رسالته من عنوانها الذى يبعث فى النفس حيرة فمن اى زمن جاء بها وفى اى مكان استلهم مشاعره , ولن تطول دهتشك وحيرتك عندما تشرع فى مطالعة ما كتب .
مصنفة على انها رواية فى اول صفحة بها وفى عديد من منتديات الادب , لكنى وجدتها غير رواية بالمعنى المتعارف عليه فى دروب الادب والفنون , واستطيع ان اوصفها وانا حر كل الحرية فى ان اصف وارى , انها لوحة وجدانية شاعرية اختلط فيها المكان والوجدان , فأصاب الغيطانى بهما ما أصابه فأنتج لنا عمل أدبي كل ما أستطيع ان أقول عنه انه غير عادى .
تجاوز الغطيانى فى رسالته المكان وعاش فى تواريخ البنيان المذكور فى روايته , فلم يسافر بنا فى رحلة من قاهرة المعز الى اقصى الشرق حيث بخارى وسمرقند فقط , انما مال بنا وغاص فى ذاكرة وتاريخ شعوب قصية عنا ,
وكانت وسيلة سفرنا فى الازمنة والامكنة هى كما وصف فى عنوان رسالته هما الصبابة والوجد , مزيج غريب من المشاعر الانسانية أفاض بها الغيطانى علينا ليعلمنا انه ليس روائى يقص الحدث ويرويه ثم يسكت انما ارانا لون فريد من الوان الادب , لا استطيع ان اصف ما ذقته واستصغته فى روايته ربما هو لحن أندلسي عذب عتيق حملت الريح اطيافه من جداول قرطبة , ربما كان مزيج من شعرا صوفى يفتح للعين مجالات للرؤي كانت معدومة من ذى قبل , ربما اختلط هذا كله مع حداثة الكاتب وموروثه الثقافى والحياتى الثري بالحس والمعرفة .
لم أجد الحس منقول الينا عبر روايته من حوارات بين ابطالها , وربما ان مجموع ما قام من حوارات فى الرواية ككل لن يتجاوز بضعة وريقات فيما كتب , انما كان المضمون رسالة كما آثر ان يسميها , فهى رسالة يكتبها الغيطانى إلى أعز الاصحاب واقرب الخلان إليه وهو قارئه كما وصف .
وكان لهذا أثرا ايضا فيما كتب على احساس من يشرع فى القرأة , ليشعر ان الغيطانى استأثره وباح اليه بسره ووجده , لا لكى يبحث عن حل او ينتظر منك مشورة او رأى , انما افاض لك بما اخفاه لأن حمل مشاعره كان ثقيل على عاتقيه فاراد ان يزيح من همه قليلا .
اعطى الغيطانى بما كتبه لنا فى رسالته مثل جديد فى العشق والهيام بالمحبوب لكى يناطح شعر قيس ويستأذنه بلطف مرة وفى ثورة مرة , ان يستأثر هو بكل ما ملك من ادوات ولغة وحس فنى ان يصف مشاعر الجوى والسهد ولوعة المشتاق وفرحة العاشق بالدنو والااقتراب من معشوقه .
هذا العاشق الذى الجمته موانع شتى من البوح طوال صفحات وسطور , لم يتخلل الكثير منها حوار ولكن جلها كان وصف يغور بك فى الوان لم تراها عينك قبلا ورائح لم تشمها يوما , وتأتى المفجأة عندما تشعر وهو مجرد شعور صاحبنى , انه ربما رأيت تلك الالون وتمرغت مقلتيك فى اغوارها و ربما صاحبة تلك الروائح نفسك ذات مرة ,
لكنك لم تفطن إلى ما فطن اليه المبدع , ولم ترى ما رأه , فالعوارض قد تتشابه لكن الانتباه اليها يختلف .
وهذا ما برع فيه الكتاب ليؤكد لنا ان ليس للغة حدود , وانها لم تتواجد للتواصل بين البشر بالحس المادى فقط ,
انما أثبت لنا انها حس وجدانى عميق المعانى لا تفتح ابوابها إلا لمن عشقها وابتغاها .
** لم يكن كلامى هذا نقد للرواية او تلخيص انما هو ما جال بخاطرى عند الإطلاع وجزء مما ملك عليّ مشاعرى عند اقتفاء ما كتب . فأن اردت ان تعرف عنها فلا تبحث عن نقد او تلخيص انما كل ما عليك فعله هو القرأة , فكيف تتلخص المشاعر او ننقد الحس الوجدانى .


كريـم الـراوى
10فبراير2009

الأحد، 31 يناير 2010

أمتحانات



امتحانات وهموم وسهر طول الليل ... اياك ان تفكر فى انى طالب متفوق او شئ من هذا القبيل , بل انا اسهر واكون فى ضغط وتوتر فقط لكن بالطبع النتيجة تأتى وكأنها تقول وكأنك ياابوزيد ما غازيت ولذا كثيرا افكر فى ان اضرب عن المذاكرة العنها من كل قلبي فانا دائما اكتوى بنارها ولا اجد النتيجة المرجوة لكنى بالطبع
لا استطيع ان اهرب منها فهى قدرى المحتوم علي ,,, لا اريد ان اتكلم ولكن هذا كان بعض الهذيان الذى اصابنى من القانون وفقهائه
فاردت ان اصدع من يأتى الى مدونتى كنوع من المشاركة فى وجع الدماغ لا اكثر ولا اقل واستودعكم الله ولنا موعد بعد الامتحانات

كـريم الـراوى

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

الفصول الأربعة

كل ما يترأى لى فى هذا السرداب انما هو درب سرمدى معتم , احمل عقلى وقلبي فى هذا الجسد الذى ضاق علي , والأمل دوما هو نقطة وهمية وضعتها كى أستئنف المضى فى ظلام النفس , تشتاق خلايا هذا الجسد الجائع إلى بعض شعاع الشمس , كل ما حولى يبعدنى عن هذا النجم الغاضب ,,
الأرض تدور حول غرفتى وكتبي ودخان الليل .. وترفض ان تعلن عن صباح الغد , انما كل ما مر هو حياه بلا شمس وبلا غد ,,
مجرد ارقام تزداد فى تلك الاوراق المعلقة على الحائط لتعلن انها تسحب يوميا من رصيدى المجهول ,,
امضيت اعوام تصادقت فيها مع الليل وصار ملكوتى حين يفل هذا القرص المتوهج دوما ,,
الذى طالما شعرت برفضه لي ولأفكارى التى كنت احيكها على حين غفلة منه ,,
لكن اليوم وبعد ان مرت تلك السنوات , اشتاق إلى كل ما هو غريب عنى ,,
توحدت مع الليل وظلامه الذى اعتم علي كثيرا من افكار القلب ومشاعر العقل ,, لأعلن عن جسد ضاق بروحه ,, وافكار ملت من افلاك الظلمة ,,
اتمنى ان اواجه شمس العقل واعلن لها عن كل ما كان مدفون فى بئر العتمة ,, اواجهها حينا,, ثم اهرب إلى ظلال جدار النفس ,,
خير حياه نظرتها وانا اجالس القمر هى كل الفصول الاربعة ,,
إلى متى سيظل الاختلاف قائم بينى وبين النور ؟؟
لم اكرهه ساعة لكنى توهمت للحظة انى قادر على خلق النور داخلى , فما ابعدنى انا والشمس عن تجليات العقل وما أقصى القمر عن فهم معنى النور المنشود ,, أعتذر لهما ,, الوزر رأيته مفضوح حين عقد ثلاثتنا جلسة صلح , ابتسمت لهما معتذرا وتمنيت منهما قرار العفو ,, انتظر الآن كل ما هو آتى غير رافض ,, وكل ما اتمناه هو هدايا الفصول الاربعة ..

29ديسمبر2009
كريـم الـراوى

الأحد، 20 ديسمبر 2009

أنظر خلفك فهناك بعض المستقبل

الدعوة الى الانتماء فى بلادنا اصبحت مملة و تكاد تكون مصطنعة من قبل بعض الرجال الذين افنوا حياتهم فى تضييع حياة شعوبهم . ان الانتماء و الوطنية ليست كلمة و لا ظاهرة كما يفسرها البعض عند وقوع حدث معين . ان الانتماء شعور داخلى جدا يصاحبه حب و ضجر و ثورة و رياء و عنف . فالانتماء لا يلقن و لكنه بالتأمل و الاحساس و الفطرة .
جميعنا ينتمى الي بلده و فخور به و دائم الاحاديث عن امجاد سابقة لكن كثير منا منتظر طائرة تقلع به من بلاد الظلم و القهر الى بلاد العدل و النظام و الحرية .
لا تلمنى على هذه الرغبة فأنا اريد البقاء , اريد الحياه , اريد ان ارى اولادى يعيشون حياه سوية فى مجتمع راق يؤهلهم ان يكونوا افراد صالحين , فكل ما اريده هى بيئة صالحة نقية طاهرة تفرز اجيال متحابة متفتحة ذات طموح.

و لكن و آسفاه فكل ما احلم به ليس فى وطنى ليس فى ارضى التى انتمى اليها بكل جارحة في .
فكيف أريد ان ارى اطفالى افراد صالحين فى بيئة فاسدة فى مجتمع يحترم الراشي و المرتشي فى بلد تحترم اللص و تقدره و وسط شعب قدس الجهل و الرجعية حتى كاد يعبدهما من دون الله .

مجتمع نسي قيمه و افكاره و أسقط العدل فباتت البغائض هى القاعدة و الاخلاق استثناء , تتعجب عندما تسمع عنها .
مجتمع اظنه يحتضر منذ عقود و اصبح جسد صالح للبكتريا و العفن و الميكروبات , مجتمع ترك هويته على حدوده و أتقن فى أن يطمس حضارته و تراثه و يتأمر على نفسه ليهزمها فينتصر غيره !!
كل هذا فى وطنى الحبيب الطاهر الذى تكالب عليه الافاقين من داخله و خارجه ليجعله منه مسخ ليصبح بعد سنوات بلد آخر . ليصبح بلد حكامه من اهله ,و لا يجيدون لغتهم , و شعبهم قابع تحت الفقر و الظلم و المخدرات و الجهل المبارك الذى اراحهم من هم التفكير . فكل ذنبي اننى اريد ان احيا كأنسان, و هل هذا من ذنب ؟؟؟
فى بلادنا نعم انه ذنب و خطيئة من اكبر الكبائر , إلا اذا كنت اقصد بكلمة انسان معنى آخر غير المتعارف عليه بين شعوب الارض .

ان هذه ليست دعوة لهجرة اوطاننا لكنها خاطرة لنا نحن من عشقنا اوطاننا حتى الثمالة . نعم نعشقه , انه فاسد و ظالم و جاحد و لكنى عن نفسي عاشق له . فأن بلادى ليست اجمل بلاد العالم و لا اكثرها تقدما كما ان امى ليست اجمل امرأة فى العالم و لا اكثر النساء علما و معرفة و لكنها عندى ملكة النساء ام الجميع , فبلدى ايضا كذلك أحبها من كل قلبي و ألعن ظلمها ايضا من كل قلبى .

احب شعبها الودود الحميم و اكره جهله و رجعيته العقيمة . و عندما افحصت النظر باحثا بين هذا الشعب عن أناس شعروا بما شعرت به و رغبوا فى احلامى و جدت أناس اخرين غيرى , اخرين جداا, حيث اصبح الاختلاف بيننا واضح جدا يصرخ فى وجهى, أهؤلاء هم اصحاب طموح فى تلك البلد؟؟ , كيف ؟؟ كيف و هم يتكلموا كلام بعيد عن افكارنا وتراثنا, كيف و هم يذكرون فى احاديثهم اسماء لا يستطيع العامة من شعوبهم الذين يتكلمون عنهم ان ينطقها حتى؟؟ , كيف وهم يرتدون ملابسهم و عليها صور لرجل اجنبي عنا , كل ما فيه وما يقوله ليس فينا وليس عنا ..

ان كل هذه ليست افترائات على ثقافة اخرين,, و لكنها ثقافة اخرين لا تصلح لنا نحن فلكل شعب نظام خاص به جدا و فكر تأصل منذ الاف السنين و لا تستطيع انت او غيرك ان تمحوا حضارة رست جذورها قبل الميلاد .

ان النظام ليس نظام واحد و لكنه عدة انظمة و الحق ليس حق واحد ولكنه عدة حقوق و الحضارات ليست حضارة واحدة ولكنها عدة حضارات فأنت لا تستطيع ايا من كنت ان تجعلنى أؤمن بحضارة غيرى و اتبعها تاركا كل تراثى , و لكن اذا اردت فأترك حضارة الآخر له لينتفع بها و يعيش كما يشاء .
و تأتى الى تلك الارض الطيبة و تقرأ تاريخها و تعلم حضارتها و ثقافة شعوبها و طباع اهلها ثم يأتى دورك الاكبر لتكون مصلح و ثائر و قائد فتجدد حضارتنا و تجعلها تشرب أسلوب القرن الجديد و العصر الحديث وهى مرتدية حضارتها الخاصة كاملة مكملة .

فلله درك يا ابو عبدالله يا سيد الشهداء و سبط رسول الله يا امام المجاهدين و الثوار .

كـريم الـراوى